في قلب مدينة صفاقس العتيقة، غير بعيد عن الجامع الكبير، يفتح جامع سيدي أبي الحسن على ساحة بربروس مبرزا واجهته المحلاة بجهاز ضخم من الحجر المهندم. في حقيقة الأمر، هذا المعلم الجليل هو مسجد ومقام وزاوية في الآن نفسه.
مسجد سيدي بالحسن
في قلب مدينة صفاقس العتيقة، غير بعيد عن الجامع الكبير، يفتح جامع سيدي أبي الحسن على ساحة بربروس مبرزا واجهته المحلاة بجهاز ضخم من الحجر المهندم. في حقيقة الأمر، هذا المعلم الجليل هو مسجد ومقام وزاوية في الآن نفسه. عاش الشيخ سيدي أبي الحسن الكراي في القرن الحادي عشر (17م.) وهو من أحفاد الشيخ علي الكراي المعروف بأبي بغيلة، المنسوب إلى الطريقة الوفائية. قال عنه المؤرخ محمود مقديش في "نزهة الأنظار في عجائب التواريخ والأخبار" إنه "...صاحب الموشحات التي عدتها ست وخمسون على طريقة سادة الوفائية في تعظيم جانب الحق جل ثناؤه، وإمداح للمصطفى صلى الله عليه وسلم وتشويق للكعبة المشرفة وغير ذلك..."، وقد سخر الرجل مسكنه لممارسات مريدي الطريقة الوفائية ومدائحهم وأذكارهم، وفيه مدفنه وتابوته. تمتاز واجهة مسجد سيدي أبي الحسن بحسن توضيب الجهاز الحجري المهندم الذي يحليها. يتكون باب المدخل من دفتين مزدانتين بزخارف زهرية منحوتة على الخشب ومجهزتين بمطرقتين (دقاقة) حديديتين مستديرتي الشكل وكأنهما تذكراننا بأن المعلم كان في أصله مسكنا. يتوسط الباب نافذتان لهما شباكان يتركبان من أعمدة حديدية متقاطعة بصفة متعامدة، وكل تلك الفتحات الثلاث محاطة بأطر ثلاثة من حجر الكذال المهندم المجلوب من محاجر جبل الديسة بجهة قابس، والمحلى بنقائش كتابية في مستوى السواكف ووريدات وأشرطة بارزة وأخرى مسننة. تعلو هذا الجهاز نافذتان مقوستان، يتوسطها عقد عظيم، عاتق وحدوي متجاوز، تفتح فيه نافذة ثالثة، يتوج ساكفها شريط مسنن محاط بطنف من كل جهة، كما يتوج العقد بأكمله شريط آخر مسنن وأربعة أطناف. تتقدم باب المعلم دكة مبنية، ولما نتجاوز الباب، ندخل سقيفة تفضي إلى رواق مزدوج يفتح عليه مرقد الشيخ، ثم إلى صحن به رواقان وبيت للصلاة، محرابه محلى بإطار من الحجر المهندم وصفوف من مربعات الخزف. تؤرخ النقائش المكتوبة الموجودة بالواجهات والسقيفة لمختلف التدخلات والتحويرات المعمارية التي طرأت على هذا المعلم.